
سيدي محمد
حين أسنَد القائمون على هذا العمل الفني التاريخي مهمة التدقيق اللغوي إلى الأستاذ محمد لغظف ولد أحمد، فقد أحسنوا الاختيار، وأنصفوا القوس بإعطائها باريها.
ولئن كان التدقيق اللغوي تتبّعٍ لإعراب أواخر الكلمات وضبط التراكيب والصيغ ومخارج الحروف، فإنه أيضا هو وعيٌ بأصالة الكلمة وفصاحتها وسياقها التاريخي، ومعرفة بعصر استخدامها ومقامها، فلا يُعقل أن نسمع في عمل عن الجاهلية من يقول: لقد غيّر القوم استراتيجيتهم!،
فيجيبه صاحبه: نعم، لاحظت أنهم غيّروا تكتيكهم!
ذلك خلطٌ لغوي وعدم وعي باللغة.
كما أن من الأخطاء أن يجمع المسلسل في الإسلام رجلين لم يجتمعا فيه، كسعد بن معاذ، ومعاوية بن أبي سفيان، فتراهما في جيش واحد للمسلمين، وسعد استشهد إبّان الخندق، ومعاوية أسلم يوم الفتح!!
ذلك خطأ تاريخي جسيم؛
لقد ساهم نقد محمد لغظف العلمي الرصين في تنبيه المنتجين إلى خطورة هذا التساهل في اللغة والتاريخ، بعد أن شهدنا تراجعاً في الأداء الفصيح مقارنة بجيل العمالقة مثل عبد الله غيث ونور الشريف، حيث ظهر اللحن وركاكة اللفظ وضعف الإلقاء.
ولعلّ ما قاله الفنان السوري سلوم حداد يلخّص المشكلة: “هناك قلّة قليلة من الممثلين المصريين يُجيدون الفصحى، وهذه الأزمة أثّرت على مصداقية كثير من الأعمال التاريخية.”
لكنّ الأزمة، لاتنحصر في مصر الرائدة، بل طالت الدراما في المشرق والمغرب معاً، مما يستدعي عودة التدقيق إلى أهل الاختصاص، وأمثال محمد لغظف ممن يجمعون بين الدقة اللغوية والمعرفة التاريخية.
ولقد أثار نبوغ هذا الفتى الشنقيطي الأصيل شيئاً من الحسد لدى من لا يرون النبوغ إلا في “القلب” أي المشرق، ويكفي أن الأزهري من أصل فلسطيني أ.أبو قيس محمد رشيد خصص حلقة كاملة لنقده حتى لا أقول التحامل عليه، لكن نبوغ لغظف وتألقه برهان على أن "الأطراف" -حسب توصيفهم- تُنبت أيضا عباقرة.
تحية تقدير للأستاذ محمد لغظف، مع التمنّي أن يكون هذا العمل بدايةً لنهضة لغوية ودرامية تُعيد للفصحى هيبتها، وللتاريخ مصداقيته.
كامل الود










