
منذ أيام، كنتُ رفقة لجنة اتصال عريضة الثامن والعشرين من نوفمبر للسيادة اللغوية، في زيارة لرئيس حزب اتحاد قوى التقدم، الدكتور محمد مولود، وفي مقر الحزب التقيتُ بسيدة بسيطة، تحمل على وجهها ملامح المعاناة، إذ يقبع أحد أبنائها في سجن بالمغرب. وقد خُفف عنه الحكم مؤخرًا، فقررت إدارة السجن الإفراج عنه، لكنها اشترطت لذلك جملة وثائق، كان من بينها شهادة إعفاء من الضرائب.
السيدة – بلهفة الأم – سارعت إلى استخراج الشهادة المطلوبة باسم ابنها، وسلمتها لإدارة السجن في المغرب، ولكن الإدارة رفضت تلك الشهادة، لأنها كانت محررة باللغة الفرنسية، وطلبت بدلا منها شهادة محررة باللغة العربية.
ذهبت السيدة إلى إدارة الضرائب في مقاطعة التيارت وطلبت من الموظفين هناك شهادة إعفاء من الضرائب بالعربية، فرفضوا ذلك رفضًا قاطعًا، بحجة أنهم لا يُصدرون أصلا أي وثيقة باللغة العربية، والتي يُقال بأنها هي اللغة الرسمية الوحيدة للبلد.
لم تستسلم السيدة، فعادت إلى رئيس الحزب محمد مولود، وطلبت منه ترجمة الشهادة إلى العربية فترجمها، ثم حملت النسخة العربية إلى نفس الإدارة، لكنها قُوبلت مجددًا بالرفض، حيث أكد لها المسؤول هناك بأنهم في إدارة الضرائب بالتيارت لا يوقعون الوثائق المحررة باللغة العربية!!
وبعد أن سدت الأبواب أمام هذه السيدة المسكينة، لم تجد أمامها إلا أن تلجأ لموثق معتمد، دفعت له مالا – رغم ضيق ذات يدها – ليوقع لها على النسخة العربية، مؤكدًا أن الترجمة إلى اللغة العربية تتطابق تماما مع النص الأصلي بالفرنسية.
قد تبدو لكم هذه القصة غريبة، بل قد لا تصدقونها، فعلى من لم يصدقها أن يسأل الدكتور محمد مولود أو السيدة نفسها، أو أحد أعضاء لجنة الاتصال الذين يظهرون في الصورة المرفقة.
صدقوا أو لا تصدقوا، أنه بعد أكثر من ثلث قرن على اعتماد دستور 1991، لا يزال في قلب العاصمة نواكشوط من يرفض في إدارة حكومية التعامل مع وثيقة صادرة باللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، فيا للعجب!
فهل أدركتم الآن أهمية التعميم الأخير الصادر عن معالي وزير الاقتصاد والمالية؟
وهل شعرتم بوجع المواطن البسيط، حين تجبره الإدارة إلى التخلي عن لغته الرسمية وإبدالها بلغة أجنبية؟
ما حدث مع هذه السيدة المسكينة ليس مجرد قصة عابرة، بل إنها قصة تتكرر يوميا بصور مختلفة.. إنها جرح نازف في جسد السيادة اللغوية، ولذا فتعميم وزير الاقتصاد والمالية ليس مجرد تعميم، وإنما هو بادرة إصلاح تأخرت كثيرًا.
#معا_لتفعيل_المادة6
محمد الأمين الفاضل