مراثي الوالدة عيش بنت امَّدْ بن أحمد بن الحمدْ

اثنين, 04/28/2025 - 00:44

من صفحة الباحث يعقوب بن اليدالي

مراثي الوالدة عيش بنت امَّدْ بن أحمد بن الحمدْ

5.مرثية الأديب المصقع محمد سالم بن النيه

تواصل معي الدكتور  المحترم والمثقف البارز ابوه بن بلبلاه، عبر الهاتف معزيا ومواسيا وأجمل تعزيته في عبارة واحدة مؤداها "عن أهل انيفرار مايالل حد إعلمهم ذل ينكال افذ النوع من المواقف" فقلت له إني بحاجة ليعلمني واستروي منه فقال لي "إندور انعلمولك امن اكريب". وزارنا في نفس المساء مع وفد من أعيان اليعقوبيين، كأن العالم الأديب امحمد بن الطلب يعنيهم بقوله:
 
ببهاليل كالمصاعب زهر
من كهول جحاجح وشباب
من بني عامر هم القوم كل ال 
قوم والرأس والذرى والروابي 

نادرا ما يبقى شعر المناسبات في الذاكرة الجمعية، فكأن مدة صلاحيته تنتهي باكتمالها، ولكن الشاعر الذي يجمع بين صفاء الفكرة وجمال الديباجة، وبين براعة الخيال وصدق العاطفة يشق لنفسه طريقا للبقاء وعادة إعود شعر مرفود..

بعد احتلال العراق للكويت واندلاع عاصفة الصحراء، كنت أعد الشاي ضحى في مجلس الوالد اليدالي بن أب، فقدم الشيخ أحمد سالم بن الداهي رحمه الله، وروى على الحاضرين قطعة شعرية جميلة مشحونة بالمعاني والإحالات النحوية والصرفية، المستلهمة من حديث الساعة، وقد تذوقتها، وقمت باستنساخها وأعجبت أيما إعجاب بتوظيف الشاعر للحدث بلغة سيبويهية جميلة، فقال: 

أئمةُ النحو في بغدادَ عندهُم
تُبنَى الكويتُ على ضمٍّ مدى الحِقبِ

وأهلُ مصرَ وأعلامُ الحجازِ رأوْا
أنَّ البناءَ على ضمٍّ بلا سببِ

وأنَّ ذلكَ لحنٌ قد يجرُّ إلى
خفضٍ بكسرٍ لمرفوعٍ ومنتصبِ

فبادرَ الغربُ وضعًا للقواعد كيْ
لا يرفعَ اللحنُ سعرَ النفطِ في العربِ.

قلت للدكتور  ابوه ولد بلبلاه  وهو يأخذ مكانه في صدر الدست أن الأصمعي لو اطلع على أبيات الأديب الأريب محمد سالم بن انيه لعلق عليها قائلا" ولو لم يرو له من الشعر غيرها لكفته" فأجابني ابوه بأريحيته المعهودة "هوم كاع بعدنهم ما ابكاولو". في إشارة منه إلى أن القطعة كثر عزوها لإحدى الشخصيات العلمية المرجعية.

تعرفت على أمين المديح النبوي محمد سالم بن انيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فبت متابعا لصفحته بعدما علمت أنه صاحب تلك الأبيات الجميلة، وكنت أهتم كثيرا لتعليقاته على بعض ما ينشر في الصفحة، لأن أهمية التعليق متعلقة بالمكانة العلمية لصاحبه. والفتى محمد سالم يأخذ من كل فن بطرف.

طيلة مكثي في المشرق ساهم تطبيق واتساب في إجراء  لقاءات مع العالم الأديب محمد سالم بن انيه الهاشمي، فعرفت فيه التواضع ونكران الذات، كما لاحظت أنه يتصف بصفة نادرا ما يتحلى بها الشعراء وهي التمكن من ناصية النقد، فمحمد سالم شاعر ناقد ولذلك فهو يجري ولا يجرى معه، يقدح ذهنه، ويهذب شعره، ويمتاح من مخزونه المفرداتي ليجعله قوالب للمعاني النادة والنادرة التي يقيد شواردها بين تفعلاته.

أشار إلي أخي محمد سالم الهاشمي في مقالة نشرها عبر صفحته المفيدة، نوه فيها ببعض الدراسات والمقالات التي كنت أطلق عليها "استحف الدوحة" مشيرا إلى أنه لاحظ أن بعض المدونين تسوروا على محتوياتها ونشروها دون عزو، فدفعته أمانته العلمية، وحرصه على حماية حقوق الملكية الفكرية،  إلى توثيق عناوين تلك المقالات وعزوها للصفحة، فجزاه الله خيرا والمقالة موجودة في صفحة الهاشمي لمن أراد الاطلاع عليها.

عرفت محمد سالم العالم من خلال مطالعتي لكتابه الموسوم ب"مرشد اللبيب لمعنى ما في تصانيف محمد مولود بن أحمد فال من الغريب"، والذي أبان فيه عن امتلاكه لناصية اللغة العربية، وسعة اطلاعه على تصانيف الشيخ محمد مولود رحمه الله. 

كما أهدى اللجنة المنظمة لأسبوع انيفرار الثقافي نسخا من تصحيحه لكتاب "مجموع متون العلامة محمد مولود بن أحمد فال" وقد وزعت تلك النسخ كجوائز قيمة على المتفوقين في المسابقات.

خلال دردشة واتسابية قلت للشاعر الناثر محمد سالم الهاشمي إني مولع بأدب رحلات الحج، فأهداني نسخة رقمية من نظمه السلس الرائق الذي عقد به رحلته إلى الحج التي قام بها سنة 1992، وقد نال إعجاب العلماء الأدباء وقرظوه بما هو أهله.

ومن باب "لبياظ في الغاية" فقد أطربتني أبيات نوه من خلالها الهاشمي بسخاء ابن عمنا المهندس محمدن الملقب أد بن محمد سيديا وشدة اعتنائه بضيوف الرحمان، كما حدثني عن إتقان أد لفروع الحطاب والقباب والقاضي عبد الوهاب فقال:

وَبَعْدَ أَخْذِ رَاحَةِ الْمُسَافِرِ
كَانَ مَسِيرُ النَّفَرِ الْمُظَفَّرِ

إلَى رِحَابِ جُدَّةَ الْفَيْحَاءِ
ذَاتِ السَّنَا وَالْحُسْنِ وَالْبَهَاءِ

حَيْثُ اسْتَضَافَنَا مُحَمَّدُ الأَبَرْ
نَجْلُ مُحَّمَّدْ سِيدِيَا الْفَتَى الأَغَرْ

مَنْ فِعْلُهُ انْقَادَ لِفِعْلِ الطَّلَبِ
مِنَ الأَدَا فَصَارَ عَيْنَ اللَّقَبِ

حِلْفُ الْمَعَالِي وَالنَّدَى وَالْكَرَمِ
فَهْوَ الْكَرِيمُ ابْنُ الْكِرَامِ الأَبْهُمِي

مَنْ بِالْمُرُوءَةِ وَبِرٍّ وَتُقَى
وَعِفَّةٍ فِي سُلَّمِ الْخَيْرِ ارْتَقَى

مَنْ بَيْتُهُ رُفِعَ لِلتَّرْحِيب
بِالضَّيْفِ وَالضَّعِيفِ وَالْغَرِيبِ

وَآلُهُ أَكْرِمْ بِهِمْ مِنْ آلِ
بَارَكَ فِيهِمْ ذُو الْجَلاَلِ الْوَالِي

لاَ غَابَ ظِلُّ نِعَمِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَهْلَ ذَا الْبَيْتِ مَدَى الزَّمَانِ

قلت للحاضرين والأديب محمد سالم يستعد لإلقاء مرثيته للوالدة إني متأكد من أن هذه القصيدة ابلا بركة" وهي عبارة يطلقها أهل إكيد على الشعر المطبوع المتكاديين أصراعو. 
 
شرع الأديب المصقع محمد سالم في إلقاء مرثيته فرأيت فتيان الدست الأعمري مقبلين عليه بمجامعهم، مصغين إلى إنشاده، مكملين أكثر أبيات قصيدته، مظهرين الإعجاب بشعره، والفيديو المرفق مع هذا النص يؤكد ذلك. 

بعد انتهاء الأديب الأريب محمد سالم من إلقاء قصيدته، سألني عن وجهة نظري حولها فقلت له إنها الفستق المقشر  والديباج الخسرواني، وقلت له إنه أحق بوصف أبي محمد الخازن للصاحب بن عباد 

أطري وأطرب بالأشعار أنشدها
أحسن ببهجة إطرابي وإطرائي
فخذ إليك ابن عباد محبرة
لا البحتري يدانيها ولا الطائي 

قلت له أيضا إني لم يفت علي توظيفه للام امحمد للطلب في قوله:

لَذاك البيت بالعلياء شدت
له طنب السرادق والرواق

حيث حضرت لام القسم تلك في شعر امحمد ول الطلبه حتى ارتبطت باسمه، وذلك مثل توظيفه للام جواب القسم المقدر قبل الشرط في قوله:

لبما بت خالي البال خال
بأناة من الملاح من براح

كما وظف لام القسم أيضا في قوله:

لَطاف بها حتى إذا النفس أجهشت
وأبدت بنانا لي خضيبا ومعصما

أظهر الأديب محمد سالم بن انيه في مرثيته عنو ماهو امبهلل، من خلال إشاراته وإلماحاته والتي منها على سبيل المثال توظيفه لتسلسل حفظ كتاب الله في آباء الوالدة، فالشيخ العالم الهيبه بن محمذن بن أعمر كان من الماهرين في كتاب الله وتركها كلمة باقية في عقبه. 

لم يفاجئني خلو قصيدة محمد سالم من المكملات والمتمات، وقد أطربني قوله:
   
لئن غابت منارة كل فضل 
وطاهرة المآزر والنطاق
 
فأغلب الشعراء يعبرون دائما بطهارة المئزر عن العفة ولكن الأديب محمد سالم  زاد نطاق المعنى بإضافته للنطاق بعد المئزر. 

وقد أعجب الأهلون بإضماره للأختين وعدم تصريحه بهما،
ولا شك أن إضمار أسماء النساء أبلغ وأجمل وهو السنة فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأل عن أمنا عائشة قال كيف تيكم؟ 

جزى الله عنا أخوالنا اليعقوبيين بصفة عامة، وخلي محمد سالم بن انيه بصفة خاصة، وأعتذر عن الإطالة في التقديم، وإليكم مرثية الأديب محمد سالم الهاشمي ولاهي لاهي اتفشكم 

رويدا لا معيذ ولا بِراق 
إذا ما الحَين آذن بالفراق
ولا يزع البكاءُ ظبى المنايا
ولو غرقت بأدمعها المآقي
أجدك هل أتاك نَعِيُّ شمس
بمحياها استنار دجى المِحاق
فعائش بنت أَمَّدٍّ تحلت
بنور لا يفتأ في ائتلاق
سليلة أنجم حفاظ ذكر
بناديهم تسلسل في اتساق
من آل الحمد والهيبَ المجلي
بدور العز والكرم المُراق
ومن بيت الخؤولة قد ترقت
بعلياء المدارج والمراقي
فأبنا عم من غر المزايا
دُلِيُّهم تنوء بها العَراقي
ألا رحلت ممجدةٌ رزانٌ
مَرادُ المجد والكرم الدفاق
بحب المصطفى وبدرس ذكر
تروي من روافدها السواقي
لئن غابت منارة كل فضل
وطاهرةُ المآزر والنِّطاق
فهاهم بعدها الأبنا بدور
بهم فجر المفاخر في انبثاق
فذا يعقوبُ خلي در مجد
تسامى في المحافل والرفاق
فتىً حلو المجالس عبقري
بدرب النُّبل منعدم اللَّحاق
وهذا سيد سيد كل ناد
لتاج الفضل لم ين في اعتناق
لَذاك البيت بالعلياء شدت
له طنب السرادق والرِّواق
فآل أبٌ نِجارهم معلىً
يسامي الزهرَ في السبع الطباق
فبارك ربنا فيهم وأنمى
ولا فتئوا الهداة لكل راق
وبارك في اللتين حوين نورا
من الأم الحنون بلا امحاق
ولا زالت إلى الرحمن تترى 
لهن مع الأطايب في انسياق
ودام الخال صالح في سرور
يفَدى بالنفائس والحِداق
ودامت أخته في الخير تحبى
بأعظم ما يؤمل من خَلاق
ربى ذات المساجد ذي تحايَا
لحيك كاللآلئ واليواقي
وواشوقي بدورك في ندي
لكاسات بها يحلو التساقي
بها يدنو شهي جنىَ علوم
وأذكار وآداب رقاق
حماكِ الله من أُزُمِ الدواهي
بجاه النور طه ذي البراق
صلاة الله جل عليه ما إن
بُعَيدَ النأي يُسعَدُ بالتَّلاقي