قرصنة قُيِّدت ضد معلوم

أحد, 07/27/2025 - 23:29

الدهماء ريم (Eddehma Rim)

 

........ا

أخي الكريم المختار السالم، أرسلتَ لي كتابًا مع العزيزة السيده اجيرب منذ شهور،.. أليس كذلك؟،.. شحذتُ فضولي لقراءته، لكن مع الأسف لم يصلني حتى اليوم!

هاتفتني معترفة:«أرسلَ لكِ الشاعر المختار السالم كتابًا معي»،..ثم انتقلت مسرعة إلى جُملة طربيّة قائلة: «بالمناسبة، أدعوكِ أنتِ وفلانة وفلانة الأخرى وفلانة ثالثة لفطورٍ صباحي في المكان كذا يوم كذا».

تُحسِنُ السيده فخامة الدعوات، وتَمنح لذَّة الرّفقة، ونحن نُحسن استغلال مِزيَّة الفخر فيها ونتقن مؤانستها مُسايرة للشهية.

وَفَت بوعدها بالدَّعوة، فقايضتُ الصَّمت بالمنفعة، كذلك علَّمتنا المصلحة الوطنية،.. لذَا أغفلتُ السؤال عن الأمانة المنكوبة، ليس من الذوق أنْ أذكِّرها بها وأنا على مائدتها، ومن اللؤم أنْ نأكل من قصعة قوم ونُلمِّح لهم "بِنْهم ماهم امْسگمين، ويوكلو ارسولهم يواجعه"،..

أمَّا إنْ التمستُ لها أحسن المخارج - ونادرا ما أفعل - فسأميل إلى كونها نسيت وجود الأمانة أصلاً.

سيدي الكريم المختار،.. غريب فعل الزمن فينا، صرنا نحتاج "ميزْ آجُور" كل سنة لإعادة ترتيب أذهاننا، أما السيده فتحتاجها كل شهرين، وأحيانا تتعطل منظومتها الإدراكية فجأة، مما يَستوجِبُ لها "رَدَمَرَاجْ" عاجل حتى تستيقظ وتتذكَّر.

سيدي، وَصل الكتاب أم لم يَصل، سعيدة أنا بالإهداء؛

وعلى قول الإذاعة الوطنية، أحيطُ علم المستمعين الكرام، أنِّي وإيَّاك، جمعتنا ذات حياة يافعة، صعلكة ثقافية متمردة في قطاع المرأة، بتسمياته المتواترة في عمره .. كنتَ جزء من نخبة شبابية كانت حظا كبيرًا للوزارة حين ظهرت في أفقها، كان حماس الشباب وقتها يُغري بالمراهنة على أملٍ لا ينفذ صبره، وكان الإيمان بصناعة الإنسان وبالكثير من القيم، وكان الشعور متضخِّما بفخر الانتماء لموريتانيا وللعروبة،.. طبعا لموريتانيا مختلفة ولعروب غربت!

الثقافة يومها مُمارسة صوفية، نقية شيئا مَا، وشوارع الأدمغة فسيحة ونظيفة، جيِّدة الإنارة والتهوية ومداخلها غير مشفَّرة،.. وكان منكم الكاتب، والشاعر والفنان المُغني والفان الرسام، والفنان المسرحي، والمرحوم الصّحفي النّاسك، وكل له تأثير فاعل ومميّز،.. وكما تشكَّلت تلك المجموعة الغريبة في جَمال، اختفت في اضمحلالٍ، فحالة التردي الشامل أفرغت كل شيء من محتواه، إلا اثنين: العنف ضد العقل وتعذيب الذَّوق،.. فقد تابعا نموهما تحت الحراسة المشدَّدة للظلام والتَّفاهة.

المختار السالم، واحد من أبدع أرباب الشِّعر على أيام صعلكتنا الثقافية وكذلك هو اليوم، أحكَمَ قبضته بثبات منذ بعيد على منابت الشعر العذب، تفرَّجنا منه بعفوية على ميلاد قصائد وأغانٍ ونغمات نايٍ عَفْو الخاطر، وعلى كثير من ذوقيات الكلام، ومن نوبات الإبداع الحادة،.. تخرج الكلمة من قريحته كما ينبغي لها أن تكون.

اقتربتُ من تلك المجموعة الجَميلة، في زمنٍ بدأ فيه شغفي بالجَماليَات الانسانية يُخطط جَهرًا لاغتيال ولعي بالعلوم التجريبية، والطريف أن شغفي ما زال يجتهدُ مُخاتلة في البحث عن دليل يُدين القتيل!

سلامات شاعرنا.. عندي عنك ألاَّ مشلي نسخه إخر ذيك لول ما ظاهرلي انها اتلاتْ مطموعه.

تحياتي.