جاهدت أكتمُ آهـاتي وأحبـسها
وأطفئ النار في قلبي واصطبرُ
دمع المواسـاة دمعٌ لا يـشابهه
دمع التصنع والأحـداث مختبر
هل تطفئ الكلمات نار الفاجعة ولهيبها في صدرونا، لا أظن ذلك فالخطب جلل، كنا على موعد مرة أخرى بالامس مع الأحزان والألم..
يُغتصب قدسنا ويداس على مشاعرنا ..نستفيق ـ ومن غير سابق انذار من هول ـ على صدمة أخرى هي رحيل عزيز علينا وابنٌ من أبنائنا البررة الاوفياء ,إبنٌ كان قمة في الروعة والثقافة والاخلاق والوطنية.
لم يكن الشيخ ولد بلعمش ـ رحمه الله ـ شخصا عاديا ,فقد كان مدرسة موريتانية مثلت بلاد شنقيط في كل المحافل العربية والدولية ,كان سفيرا للكلمة العذبة ,للكلمة المناضلة ،مَثّلَ السجايا الشنقيطية في الثقافة والشعر والأخلاق الراقية والنبل والطيبة.
نعم..إنه الشيخ الانسان المهندس الشاعر الثائر المناضل ,لم يكن ابن موريتانيا ـ التى بكته بالأمس وودعته بحزن ساد كل ربوعها ـ فحسب ,بل كان ابن وطنه العربي الكبير، كان قلبه ينبض حبا وتعلقا به وبقضاياه المصيرية ،واكب الشيخ كل تلك القضايا بآلامها وأحزانها ,فكانت فلسطين حاضرة في وجدانه وشعره باستمرار ..ترنم بها ولها وللقدس التي لم يتحمل قلبه الكبير خبر إعلانها عاصمة لغير فلسطين الحبيبة من طرف المجرم الغبي ترامب.
كان شعره ـ رحمه الله ـ قنابل تتفجر صدقا , وجداول تنساب رقة وعذوبة ,مستنهضة همم المجاهدين ومبشرة بالنصر والفتح القريب من الله , وكانت أشعاره ترهب قلوب المتآمرين على سوريا والعراق وكل بلد عربي.
ماذا يمكن أن نقول عن الشيخ بلعمش غير أنه أيقونة وقامة سامقة في سماء الادب ,كان مؤمنا إيمانا لا يتزعزع ولا يخالجه شك ,فقد ختم حياته المليئة بالعطاء ـ رغم حداثة سنه ـ بكلام الله عز وجل فكان آخر حديث له قبل أن تعود روحه الطاهرة الى بارئها أن إعلان ترامب هو بشرى وبداية الغيث وأنها تنبيه من الله للعرب والمسلمين وأنه شخصيا متفائل خيرا لهذه الأمة التي قال عنها إنها أمة لا تموت مادامت مجتمعة على كلمة التوحيد ,واصفا إياها بالأمة العظيمة التي قهرت المغول والتتار ثم تلا قوله تعالى : "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".
رحل الفقيد متفائلا غير متشائم وترك لنا أملا بالحياة والبقاء والنصر ،رحل الجسد وبقيت الروح والوجه الجميل والعطاء , فسلام عليه في مرقده ,وسلام على كل عظماء هذا البلد الحي منهم والميت.
حقا إن الحياة خيال فانٍ وما لنا فيها غير صبر نتحلى به ونجعله رفيقنا أثناء سيرنا في دروبها المتغيرة المتعرجة.
زهراء نرجس
رحمه الله برحمته الواسعة