يقول الفيلسوف سيغموند فرويد:
" الحقيقة تَظهَرُ مع زَلاتِ اللِّسانِ"
أركان هذه المقولة تبدأ ب "الحقيقة"
و هي كلمة غير مُتَّفق على معناها و لا جوهرها و لا حتى انعكاسها و الأثر الذي تتركه في خَلَدِ السامع.
فهل الحقيقة المقصودة هي ما نتكَتَّم عليه و نصونه؟
أم أنها ما نحبه و نُريده؟
أم هي ما نقتنع به؟
أم هي ما نؤمن به و نعتقِده؟
و الوارد من حيث اللغة أن الحقيقة تعني كل ذلك و غيره و لكن ربما الحقيقة في المقولة تعني الصدق، صدق اللسان لأنه الركن الأساسي في مقولة سيغموند افرويد.
الركن الثاني هو الزلات، و الزلات تعني الخطأ إراديا كان أم غيره، و زلات اللسان انزلاقه عن العبارة التي شكلها الذهن و التخطيط، و نُطقُه عبارةً أخرى تأتي من مسرح المشاهدة أو الذاكرة المُخزنة في مكان ما من الدماغ البشري فائق التعقيد.
و اللسان هو أداة التخاطب الأكثر وضوحا و فهما و لتعدد وظائفه فقد يقع التشابك بين أدواره المختلفة و التي قد لا يجمع بينها غير المكان و الأداة عينها.
و بعودتنا إلى الزلات نفسها لأنها تمثل عنصرَ الترابط الفعلي في المقولة بين الحقيقة و اللسان ، فإن الزلات ليست دائما بذلك السوء الذي يوحي به لفظُها النافر ، فكم من زلات غيَّرَت مَجرى تَجَارب علمية و أدت إلى اكتشافات هائلة، و كم من زلات أو عثرات فتحت لأصحابها آفاقا جديدة ما كانت لتُفتَح لولا تلك العثرات و الصدف الذهبية، و كم من عثرات كانت خيط نجاة من هلاك محدد، دون أن نصل إلى العثرات العظيمة بالكنوز و المعارف و غيرها.
سيغموند افرويد عالم نفس و ذلك ما يجعله يُفسِّر الزلات من مُنطلق اختصاصه و زاوية نظره و أبعاد دراساته ذات الرؤية العلمية المُسلَّطَة باتجاهٍ واحد، فهو يرى أن زلات اللسان هي مُحاولته الهَرَبَ من توجيه الذهن و الإدراك له توجيها يُخالف طبيعته الأصلية ،و التي لا تَعرِفُ التَّكلُّفَ و لا الخداع، و كأن اللسان بطبيعته الخَلقية يريد العودة إلى المَسار الصحيح كلما سنحت له فرصة، في حال تَشَتُّتِ الذهن أو فُتوره اللحظي.
فهل تكمن الحقيقة بمعنى الصدق خلف زلات اللسان فعلا؟
أليس من زلات اللسان ما يخالف الموضوع الأصلي تماما و لا يُمكن الربط بينهما بأي رابط؟
أم أن سيغموند افرويد يعني فقط الزلات المُتعلقة بالموضوع الذي نتحدث عنه ؟
كما رأينا سابقا مع الفلاسفة أن التعميم خاطئ حتى في إطلاق التعميم على الأخطاء، فكذلك زلات اللسان ، فليست دائما مصدر الصدق و لا معدنه الثابت، و لكنها مع ذلك لا يُمكن إهمالها تماما، فلابد لوجودها من مُسوِّغ ما و إلا لما وُجدت أصلا و لما خرجت اضطرارا و كأنها على حافة انفجار عظيم.
فهل يُمكن للفلاسفة تَقنين ذلك النوع الصادق منها و فصله عن الشوائب الأخرى المصاحبة كالغرائز و الشهوات و الكبت و الظلم؟
بدون ذلك ستظل ظاهرةً تحتاج الدراسة و النظرَ و دقة المُلاحظة.
