إعلان

الشاعر ادي ولد ادب “لو لم اكن شاعرا لكنت ناقدا مسكونا بعشق الشعر”

خميس, 05/02/2024 - 02:42

حوار الاربعاء / سلسلة حوارات في مجالات متعددة تنشر كل يوم اربعاء يفتح من خلالها النقاش مع العديد من الأسماء الشاهدة على وقائع وأحداث مهمة.الحلقة 17 مع شاعر ليس موريتاني فقط بل شاعر العالم العربي أنه الاديب أدي ولد آدب الذي انجبته بلدة مكطع لحجاز في موريتانيا، ونال الدكتوراه في الأدب العربي عام 2011. يعمل في حقل التدريس الجامعي وفي ميدان الصحافة الثقافية، وهو من مؤسسي بيت الشعر في موريتانيا عام 2001 لنا معه هذا الحوار :

س : يقال إن موريتانيا بلاد مليون شاعر هل مازال الوصف ينطبق عليها ؟بمعنى هل مازال القطر يتعاطى للشعر؟

ج : لقد كان مَرَدُّ تسمية “بلاد المليون شاعر”، هو انبهار مُطْلِقي هذا اللقب من فريق “مجلة العربي” الكويتية عام 1967م بدرجة انتشار تعاطي الشعر، والتفاعل الخلاق معه إنشاء، وتلقيا، وإنشادا واستشهادا، بين سكان بلاد شنقيط يومها، وحين سألوا أحد الإداريين هناك: كم عدد الشعب؟ أجابهم: مليون شخص، فعنونوا التقرير بـ “موريتانيا بلاد المليون شاعر”، ولقد سبق أن كتبت مقالا حول هذا الموضوع بعنوان: “بلاد المليون شاعر: أسطورة الواقع، وواقع الأسطورة”، نشر في كتابي: “تأويل رؤياي: أطروحات صغيرة في الثقافة والأدب”، خلاصته أن عزلة موريتانيا عن دائرة الضوء، والنشر، وبدويتها، وقلة سكانها، ومن ثم قلة عدد الشعراء الحقيقيين بين هذا المجموع السكاني القليل، كلها عوامل ترجح كفة الأسطورة، لكن تفشي فيروس عشق الشعر، إنشاء وإنشادا، وإكباره جنسا أدبيا مهيمنا، وخطابا خارقا لحدود الأجناس، وتعظيم مبدعه ومتعاطيه، كل هذا أيضا يرجح كفة الواقع في هذه المقولة.
وخلاصة الخلاصة أن ذلك الهوس بالشعر، ما يزال حساسية وراثية، مستمرة في جينات الأجيال اللاحقة، فأنا أرى اليوم مواكب الشعراء المبدعين بين الشباب أكثر تناميا طرديا من الأجيال الأقدم، كما أن ثورة الأزرار، وجنون وسائل التواصل الاجتماعي، وغزو الأجناس الأدبية الأخرى لحرم الشعر المقدس، كل ذلك لم يستطع- حتى الآن- أن يزعزع الولع المزمن بالشعر عند الموريتانيين، عشاقه الأزليين الأوفياء.

س : كيف هو مستقبل الشعر بالوطن العربي؟

ج : الشعر ليس وسيلة تعبير بقدر ما هو غاية، فالإفصاح- كما يرى ميخائيل نعيمة- من الحاجات الروحية التي لا غنى عنها لهذا الإنسان، و في ضوء ذلك أرى أنه لولا أن الإنسان حيوان شاعر بطبعه، لما كان حيوانا ناطقا، والحاجة لهذا النطق تكون على قدر طاقة الشعور المنفعل في الوجدان، وهكذا كانت القراءة/ التلقي أولا، والبيان/ التعبير ثانيا، مرادفين وجوديا- في الأزل- للخلق نفسه، ولذلك امْتَنَّ الله علينا بهذه النعم الثلاث معا، في مستهل آلائِه الرحمانية الكثيرة(الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان)، وما دام الشاعر يختص عن عموم الإنسان بمزيد من رهافة الحس، وعرامة الشعور، وعنفوان العاطفة، فلا شيء غير الشعر يمكن أن يعبر عن هذا المستوى من الشعور العالي التكثيف، ومن هنا سيبقى مستقبل الشعر رهينا بمستقبل الإنسان الشاعر ذاته، هذا مع الاعتراف بأن الشعر في العالم العربي يتعرض لغزو مؤثرات كثيرة، تحاول زعزعة عرشه الراسخ، في الذائقات، والذهنيات، والمَلَكات، وطرق التعبير، ووسائط النشر…. لكن جميع هذه الحيثيات، سلاح ذو حدين، فبقدر ما تشوش سلبا على مراصد رؤية مستقبل الشعر، فإنها- في الوقت نفسه- يمكن أن تعتبر عوامل إثراء وتطوير، وتسيير، وتدبير لطرق نشر الشعر وانتشاره، إذا استغلت طاقاتها الإعلامية، والإعلانية لصالحه، فأنا مثلا في قصيدتي: “الحب وثورة الأزرار”، تساءلتُ مأزوما، أمام مكننة الحياة، وهيمنة القبح، والموت:
من أين ينبعث الشعر الجميل.. وفي***عيوننا يكتب القبحُ الدواوين؟
ثم عقبتُ:
الحسْنُ، والحبّ، والشعْرُ الجميلُ.. عنا***وينُ الحياة.. فلا تمْحو العناوينا!

وقد أبَّنْتُ هذا الثالوث في ختام قصيدة “هجائية الزمن الرديء”:

 

سلامٌ على الحُبِّ.. يوْم تَشَحَّطَ.. ملء دماه قتيلا.. على يد عصْر الكراهةِ.. غازي البرايا
سلامٌ على الشعْر يوم غدا الدمُ حِبْرا.. وصارت دواةُ الكتابةِ جُمْجُمَةً.. والأماني منايا
سلامٌ عليكَ.. جمالَ الوجود.. تدَنَّسْتَ بالقبح.. يغزو جميعَ المرايا
سلامٌ على الحسْن، والحبّ، والشعر..
إني- لهذي الثلاثة- سوف أظل أُغَنِّي.. أغنِّي.. أغَنِّي
ولو وَأَدُوا الصوْت خنْقا..
لأني أرى الكوْنَ- دون الثلاثة- أعْمى النوايا!

س : البعض يقول إن العشر سنوات الأخيرة أصبح الشعر يفقد من الساحة لغياب التشجيع في الوطن العربي هل صحيح؟

ج : صحيح أن الناس انصرفت- تحت ضغوط الحياة المتزايدة، وتطوراتها المتسارعة، وطفرة وسائلها التنكنولوجية- عن قاعات أمسيات الشعر، ومقاهيه، كما انصرفت عن قاعات السنيما، والمسارح، إلى شاشات الهواتف النقالة، وشبكات وسائل التواصل الالكترونية، حتى انصرفت عن ذواتها، وعوالمها الاجتماعية من حولها، وأصبحت أسرى الهواتف والأزرار.. ولم ينتصر في مقاومة هذا العالم الافتراضي الطاغي، إلا مدارج ملاعب كرة القدم، نظرا لأن “نطام التفاهة”، جعل العقول، والقلوب عَبَدَةً للأرْجل، وتمادى في التشييء، والتسليع المادي، على حساب الروحانيات والوجدانيات.. ومن هنا نال الشعرَ ما نال غيرَه من الفنون، والقيم، لكنه ما زال يتشبَّث برَمَق من وهْجه وجاذبته، حيث تصعب الحياة بدون الشعر
إن الوجود بدون عينيْ شاعر*** جدْبٌ.. كئيبٌ.. باهتُ الألوان

س : نظمت قصائد لفلسطين ماذا أعطى الشعر للقضية؟

ج : لقد حاولت- وأنا قيد الحياة- أن أكون عادلا في توزيع ثروتي الشعرية، على ورثتها، فكان ديوان” رحلة بين الحاء والباء” من نصيب الحب، وديوان “تأبط أوراقا” من نصيب الصعلكة الثورية المبدئية ، وديوان “بصمة روحي”، من نصيب رؤيتي الشعرية الخصوصية، وديوان، “خرائط الوجع”، من نصيب العالم العربي ” الرجل المريض” النزيف من الماء إلى الماء، وديوان “وطني على كتفي” من نصيب وطني الذي يسكنني، وإن لم أسكنه، وديوان “صلوات القوافي” تراتيل مديح نبوي، وديوان “وجوه كتبتني”، من نصيب من حضر القسمة، من الوجوه الجميلة الواشمة صفحة الذات بصور تأبي النسيان، وهكذا كان ديوان “فلسطين القصيدة” من نصيب فلسطين تخصيصا لأن وجهها من تلك “الوجوه”، التي “كتبتني”، وحبها أكبر علامة فارقة في دوائر ” بصمة روحي”، فهي تتأطر عندي “بين الحاء والباء”، ومن أجلها “تأبطت أوراقي” سلاح مقاومة، لا يَكِلُّ، ولا يُفَلُّ، به ابتغي تخليصها من “خرائط الوجع”، حاملا إياها مع “وطني على كتفي”، بل في قلبي، مستحضرا إياها حتى في قنوت “صلوات قوافيَّ”
وهنا أريد أن أنبه إلى أن الكلمة قدمت لفلسطين ما لم تقدمه لها البندقية، فبقاؤها قضية القضايا عالميا، هو بمفعول الكلمة الشعرية، والسياسية، والإعلامية… مهما كان تمييع الكلام وتسليعه، فنحن الشعراء آخر من يُتَوَقَّعُ منا أن نكفر بالكلمة، فإيماننا راسخ بأنه “في البدء كانت الكلمة”، وفي النهاية ستكون أيضا.

س : قمت بتأليف العديد من الدواوين هل لقيت إقبالا في مجتمع لا يقرأ؟

 

ج : الحقيقة أن الإقبال على تلك الدواوين الثمانية ضعيف جدا حتى الآن، لدى المجتمع القارئ، فما بالك بغير القارئ؟ ولكن الحقيقة أيضا أني لم أكتبها أصلا على عين الجمهور، ولا وفق ذائقته، وإنما كتبتها على عيني أنا، ووفق ذائقتي أنا، غير مرتهن، لإرضاء مدرسة أدبية سائدة، ولا منهج نقدي معبود متبع، ولا أيديولوجيا ضيقة مغلقة، ولا جاذبية بلاط مرغوب ومرهوب، ولم أنفق على نشرها من جيبي المثقوب أملا في أي تَرَبُّحٍ من مبيعاتها؛ لأن القارئ الحر- المستقل عن أسر تلك الدوائر العبودية الوهمية، التي تُجَيِّشُ “توابعها وزوابعها” من مريديها لتوجهاتها العمياء فقط- نارد الوجود، وإن وجد فهو قليل النقود غالبا…
والحقيقة الأخيرة أني أكتب-أولا- لأعلن وجودي الذاتي، وأنشر- ثانيا- ليربح وجودي البقاء أطول.. رغم أنف حراس الكتابة والنشر داخل الأقواس السابقة.

س : كيف ترى التأليف في الوطن العربي أدبيا عموما؟

ج : أرى أنه ضعيف، مقارنة مع التأليف والنشر في العالم الإسلامي، أحرى العالم الغربي، نظرا لانعدام الحوافز المشجعة للإبداع والبحث العلمي، تحت قيادة حكام ضعيفي التعليم، ليسوا من سلالة المأمون العباسي في بغداد، ولا المستنصر الأموي في قرطبة.. زد على ذلك معاناة النشر الورقي عموما، مقابل النشر الألكتروني، وهيمنة الماديات على الروحانيات…

س : هل تجربة امير الشعراء أعطت وهجا للشعر والشعراء؟

ج : تجربة أمير الشعراء وما على شاكلتها من البرامج الأدبية والثقافية عموما، لا شك في أهميتها من حيث المنطلق، فهي توفر للمبدع العربي منصة إعلامية وإعلانية، مصنوعة بمعاير إخراجية عالية الجودة، من حيث المسرح، والديكور، والضوء، والصوت، والصورة، والفرجة، والتحفيز المالي المغري، والصيت الأوسع مدى، لكن مثل هذه المشاريع الإعلامية في عالمنا العربي، غالبا يشوش ظل الإرادة السياسية المحلية على نصاعة تنفيذها الأدبي، وخصوصا من خلال لجانها النقدية، التي تقتل التحكيم النزيه بالتَّحَكُّمُ المتعسف، وفق معايير، غير خالصة الأدبية للأسف، مع ذلك فقد أتاحت فُرَصَ ظهور وشهرة لأجيال من الشعراء المبدعين، ما كانوا ليجدوا مثلها في دوائرهم الضيقة المحلية، وحتى الإقليمية، وهنا أذكر أني سبق أن نشرت عدة مقالات عن هذه المسابقات الأدبية، من ضمنها مقال عن: “أمير الشعراء بين العتبة، والعقبة”، فهو إما أن يمثل عتبة انطلاق، إلى مدى إبداعي أعلى وأوسع، بالنسبة للناجحين فيه، وحتى المخفقين، المصرين على تجاوزه إبداعيا، وإما أن يكون عقبة ينتحر عندها المُحْبَطون، المصدومون بخيبة الأمل في البرنامج، كما يحترق عندها أيضا حتى من نُجِّحُوا، وسُلطت عليهم حزم من الأضواء، أكثر مما يستحقون إبداعبا، ومما يتحملون شخصيا، فانطمسوا وانكمشموا، فور خروجهم عن دائرة البهرجة المفتعلة، واختفوا شعريا بعد ذلك الموسم تماما.

س : كيف تنظر لهذه التجربة مع العلم أن البعض يقول إنها ذات ربح مادي صرف؟

ج : أعتبر كل هذه التجارب المحفزة إيجابية على علاتها، ففي إمكانها أبدع مما كان، ولكن ما يدرك كله لا يترك جله، أما الربح المادي في أمير الشعراء مثلا، فهو متحقق نسبيا من خلال التصويت، ومن خلال الإعلانات الترويجية، لكنه ليس مقصدا جوهريا، فالتصويت مثلا-كما أخبرونا- قُرِّرَ في دراسة مشروع البرنامج لإدخال روح الرهان على المتنافسين، من أجل تعزيز مستوى المتابعة والمشاهدة، حيث إن من ينفق درهما لأجل فوز شاعر معين سيتابع مآل رهانه، حتى النهاية، أكثر ممن لم يدفع شيئا أصلا.

س :كيف تنظر لغياب مثل هذه البرامج في شمال أفريقيا؟

ج : أرى أن الدول العربية في شمال إفريقيا، أكثر أهلية لاحتضان مثل هذه البرامج الشعرية، وتبَنِّيها، وتنفيذها، من ناحية وفرة الشعراء المبدعين، والنقاد المتمكنين، والجمهور المتعطشين، ولكن أظن أن نخبها المتناوبة على إدارتها مبتلاة بعقائد سياسية، يطبعها الشح في الإنفاق على الثقافة والإبداع، و الكفر بالاستثمار فيهما.

س : مستقبل الشعر المقفى في ظل الحر؟

ج : سبق لي منذ أواخر التسعينات أن تقدمت برؤية نقدية، حتى لا أقول: نظرية، تتبنى مفهوم “الشعر الحار”، بدل الشعر الحر، والشعر العمودي، والشعر القديم، والحديث، والمعاصر، والمنثور والنثري، معتبرا أن كل تلك المصطلحات، غير دقيقة علميا، ولا تتمتع بالكفاية الوصفية، فالحرية مطلقا، لا تمنح الإبداع، والتقييد أيضا لا يمنعه، بل إنه لا يوجد إبداع بدون قيود، وكل حرية المبدع متمثلة في تجديد قيوده، أو ابتكارها إن لم توجد أصلا، كما أن العمودي نسبة باطلة تختزل- بكل سخافة وجهالة- عمود الشعر المركب من عناصر الإبداع الشعري عاطفة، وفكرة، ومعجما، وتصورا، و تصويرا، وإيقاعا، وبناء… في عنصر الوزن العروضي وحده، فما كان منقاسا على بحر عروضي فهو العمودي، وما لم ينقس عليه فهو حر!
كما أن القديم والحديث والمعاصر هي الأخرى مصطلحات يلتبس فيها الزمني بالفني، والعلاقة بينهما ليست طردية، فقد يكون القديم زمنيا حديثا فنيا، والعكس صحيح.
وبعد تبين تهافت هذه المصطلحات الهشة التأسيس اعتبرت أن الحرارة هي الصفة الألصق بجوهر الإبداع، وحيوية نبضه الدفاق المتجدد، فهذه الحرارة روح وطاقة غير متحيزة تسري في جميع عناصر جسد النص، عاطفة، وفكرة، وصورة، ولغة، وتراكيب، وإيقاعا، وبناء عاما، فتتفاعل فيه الحياة ضاجة متوهجة متوثبة، فإذا توفرت هذه الحرارة في أي نص شعري، لا يقدح في شعريته أن يكون قديما أو حديثا، أو مقيدا، أو حرا، وإذا فقدها فلن تنجع في شعريته حرية ولا قيد، ولا قدم، ولا حداثة. أي أنه إذا افتقدها ما سمَّوْه: “الشعر العمودي”، فلن يكون إلا نظما متجمدا، شبيها بهيكل عظمي لميت بائد، وإذا افتقدها ما سمَّوْه: “الشعر الحر”، فلن يكون إلا نثرا سخيفا، شبيها بفتات البيوت الهَديمة الحَطِيمة.
وبناء على ذلك فإن المستقبل- في نظري- للنص الشعري الحار، بغض النظر عن صفتي “المقفى”، و”الحر” الفارغتين.

س : لو لم تكن شاعرا ماذا يمكن ان تكون؟

ج : نظرا لتفاعل المورثات الشعرية في دمي، وانفعالات الاستعدادات الذاتية المبكرة عندي، والتوجه إلى التخصص الدراسي القاهر، والامتهان التدريسي، والبحثي، ما كان يمكن إلا أن أكون شاعرا.
ولو لم أكن شاعرا، -وفق افتراضكم- لكنت ناقدا، مسكونا بعشق الشعر، والأدب عموما، مهوسا باستكشاف بواطن مواطن الجمال، ومظاهر ظواهر أسرار الإبداع، تصيدا لـ “بصمة روحي”، في “تأويل رؤياي”

س : النقد هو تقويم الاعوجاج أو التنبيه كيف تنظر للنقد في الشعر العربي؟

 

ج : للأسف، أعتبر أن جل نقادنا- إن لم أقل كلهم- فشلوا في بلورة معالم نقد عربي للشعر العربي، فهم يدرسون مناهج ونظريات نقدية غربية، لم تكن- قبل أن يكرسها طلاب ومريدو مستخدميها- إلا مقاربات شخصية آنية، لنصوص معينة، قد تكون نثرية في أصلها غير شعرية، ولم يكن مفتعلو هذه المقاربات يعتقدون- أبدا- أزليتها الموهومة، ولا صلاحيتها المزعومة، لكل نص، ولكل جنس أدبي، ولكل مكان، ولكل زمان…وبما أن نقادنا، لا يستوردونها- غالبا- إلا بعد انتهاء صلاحيتها المحدودة في منبتها الأصل، وتجاوزها إلى ما بعدها، وما بعد ما بعدها، فإن تطبيقهم لهذه المناهج النقدية على النص العربي هو قياس مع وجود الفارق، بل مع وجود كل الفوارق…فلا طبيعة اللغة- هنا وهناك- واحدة، ولا البلاغة متطابقة، ولا الذوق والمزاج مشترك، ولا البيئة المكانية، ولا الزمانية، ولا الإنسانية متشابهة.. من هنا كتبت عن غياب الأصالة النقدية العربية عند العرب المعاصرين، في “تأويل رؤياي”، مقالا: بعنوان: (حتى نقادنا.. عالة على صندوق “النقد” الدولي)، حيث لا فرق عندي بين اقتراضنا السفيه من صندوق النقد الدولي المالي، واقتراضنا السفيه أيضا من صندوق النقد الدولي الأدبي.

 

المصدر ميديا : المحجوب الأنصاري