إعلان

عن الشيخ محمذفال بن متالي

سبت, 08/12/2023 - 20:51

ترجمة للمؤلف وتقديم للكتاب

 بقلم حفيد المؤلف شيخ محظرة أهل متالي الأستاذ المصطفى بن حبيب بن احمدو بن لمرابط محمذفال بن متالي

       بسم الله الرحمن الرحيم

ولد الشيخ لمرابط محمذفال بن متالي مطلع القرن الثالث عشر ( 13 ) هجرية وكانت قصة مولده قصة غريبة مع أنها موثقة بحسب ما أكده العلامة الشيخ حيمده بن انجبنان بن متالي وأكدته روايات شفهية متواترة عن الثقات .
قد كان والده ( متالي ) المختار بن محمذن بن أحمد بن أعمر بن أبج بن ييج بن فوديه الأوسط أبي قبيلة إدكفوديه المعدودة في مجموعة تندغه والمنتسبة في الأصل إلى الشريف محمد أبي بزول الشهير ...
كان متالي هذا شيخا كبيرا في حدود الثمانين من عمره ولم يولد له فرأى في منامه ولدين جاءاه جلس أحدهما قبالة وجهه والآخر عند ظهره وأخبره الذي عند وجهه أنهما ابناه وأن أمهما تسمى جليت وأنها من إدكفوديه .
يقول العلامة حيمده في السيرة المتالية :
من أعجب العجب أن الوالده
           هو الذي دل عليها والده
فكان     للتي    لديه    نابذا
            ..............................

وتتحدث الروايات أن متالي ذهب يبحث عن جليت فوجدها حين خرجت من عدة زوج كان معها وتوفي فخطبها إلى أهلها وبعد مراجعات قبلوا تزويجها له فكان مولودها الأول منه محمذفال بن متالي وكان أبوه أول من استقبله وحفظه ستين يوما من أعين الناس يقول حيمده :
.............................
            و  عندما  وضع   كان  آخذا
وكان حافظا له بالنفس
            ستين يوما من عيون الإنس

وكان مولده عام 1205 هجرية بموضع يسمى ( بوك ) بباء مفتوحة وواو ساكنة وكاف معقودة ساكنة شمال غرب مدينة روصو بنحو ثلاثين كلمترا وهو المعني بقول جمال الدين التندغي الشكاني :
لحون  العندليب  بماء  بوق
       أصيلا  إذ  تأنق  في  الغناء
بعثن إلي من طربي وشوقي
       دفينا مات مذ  ولى صبائي

ونشير هنا إلى أن جليت والدة الشيخ تلتقي مع متالي عند جدهما أبج بن ييج فهي جليت بنت محمذن بن حبيب بن أحمد بن يحيى بن أبج فهما من فرع واحد من قبيلة إدكفوديه .
وقبل فطام الشيخ بنحو نصف العام حبلت جليت بولدها الثاني من متالي انجبنان وتوفي أبوهما قبل مولد الأخير بزمن قليل وقد ربتهما والدتهما تربية حسنة وقد أوصاها متالي بمحمذفال وصية خاصة : بأن تلبي ما أمكنها من مطالبه أيا كانت وأن لا تخالفه في أمر فنشأ نشأة مدللة ترعاه أمه وخاله عبد الجليل . وفي فترة صبوته ظهر كثير من علامات العناية الإلهية به فظهر على يديه وهو صغير كثير من الكرامات ذكر أكثرها العلامة حيمده بن انجبنان في نظمه المسمى الجنان العالية في السيرة المتالية فلمن شاء أن يراجعه .
وعندما بلغ الشيخ سن التعليم أرسل إلى معلم الصبيان حسب العادة فكان تهجي الحروف قراءة وكتابة هبة ربانية له بلا تعليم وكذلك كان حفظه للقرآن يقول العلامة حيمده :
وكانت أيضا أحرف الهجائيه
            مع شكلها إذن إليه جائيه
و كان  أيضا  حافظ  القرآن
           إذن   بلا   معلم   الصبيان

وفي حدود سنته العاشرة ذهب مع لفيف من بني عمومته إلى محظرة المؤيد بن مصيوب الكمليلي وبدأ دراسة كتاب الأجرومية في النحو فلم يفهم عن شيخه فعاوده ليكرر له درسه فامتنع المؤيد من ذلك وأمره أن يذهب إلى كبار التلاميذ ليكرروا له ذلك فاعترى الشيخ من ذلك انزعاج وخرج من خيمة المؤيد فألهمه الله دعاء فلم يصل إلى المنزل الذي يقيم فيه مع رفقائه حتى فتح الله عليه في كل كتاب يدرس في تلك المحظرة وأخبر رفاقه بذلك فامتحنوه فظهر صدقه وطلب منهم العودة معه إلى الأهل لتدريسهم فعاد معه رفاقه اليحيويون وخاصة منهم ابن خالته أمغر الذي سيصبح زميلا له فيما بعد  .
وبعد عودتهم تطلعت نفس الشيخ للذهاب نحو المختار بن بونه الجكني وكان في أخريات حياته في منطقة اركيز فذهب معه ابن خالته أمغر وعندهما بقرتان حلوبان وثور يحملان عليه مزودا من الزرع وفي مكان يسمى " متب " جنوب قرية تكنت بحوالي سبع كلتمرات نزلا للمقيل ونوما للظهيرة وعند صلاة الظهر استيقظ أمغر ولم يستيقظ الشيخ وحاول أمغر أن يوقظه فلم يستطع إذ كان نومه ثقيلا يخرج من فيه زبد فحبس عليه البقرات والثور وظنه مريضا واغتم لذلك فلما كان قبل الغروب بقليل استيقظ الشيخ محمر العينين وصلى الظهرين وقال لزميله أنا لست مريضا ولكنني رأيت في منامي المختار بن بونه ودرست عليه جميع ما كنت أنوي دراسته عليه وقد توفي البارحة هيا بنا نعود إلى أهلنا .
وكان بالقرب من حيث ظلا حي من أهل آبيري المالكيين يدعون أهل العباس فجاءهما رجال منهم وخلال الحديث تبين لهما ما خص الله به الشيخ من فتح وهبي فطلبوا أن يقيم معهم ويدرس لهم على أن يجعلوا له شيئا مقابل ذلك فقبل الشيخ بشرط أن يعود إلى أمه ويستأذنها في ذلك وفي طريق العودة إلى الأهل قال له زميله أمغر أشهد إنك لعالم ولكن الزوايا سيقولون إن علمك لا أب له إذ ليس لك شيخ ولا كتب معك فقال له الشيخ غمض عينيك ثم دعا الله ثم قال له افتح عينيك فإذا بحمارة تحمل صندوقين خشبيين كبيرين تسير مع البقرتين والثور والصندوقان مليئان بالكتب فقال لزميله الحمارة لك والكتب لي . وأذنت له أمه بالتدريس فعاد إلى أهل العباس وأقام فيهم وكان ذلك في عامه الثاني عشر فتسامع به الناس وأقبل إليه طلبة العلم واستقر به المقام فيهم مدة سنتين يقول العلامة حيمده مشيرا إلى ذلك :
و من عجيب أمره حال الكبر
     منه و ذا في عامه الثاني عشر
أن كان في العلم والاستقامه
     ليس   يبارى   نعمت   الكرامه

وقد اشتغل لمرابط محمذفال بن متالي في أول حياته العلمية بجمع الكتب ونسخها فاستعار بعضها من أهل العاقل فقد ثبت أنه استعار من العلامة أحمد بن العاقل الديماني التونكلي كتاب الكوكب الساطع في علم الأصول واشتغل هو وزميله بنسخ ما وقعت عليه أعينهما من كتب وكان يبعث تلامذته لشراء الكتب أو نسخها ممن هي عنده وإذا نزل لديه من معه كتاب ليس عنده يشتريه منه أو يستنسخه فإن لم يمكن استعاره يوما أو يومين ولخصه أو لفق منه مؤلفا وكان يستحسن من تلامذته وأصدقائه أن ينسخوا له الكتب ويهدوها إليه وقد مدح سيدي محمد بن باباه لحراكي الكبير بأبيات رائعة وقد أهداه ذهبا وكتب له نسخة من كتاب الذهب الإبريز للشيخ محمد اليدالي يقول فيها :
واخصص به الندب الكريم الفتى
            الواهب   الذهب   مع   كتبه

وقد اتصل بجملة من أكابر علماء عصره في منطقة الكبله كعلماء تاشمشه ( أهل العاقل ، محنض بابه بن اعبيد ، أحمد فال الموسوي ، المختار بن ألما .... ) وعلماء إدوعلي وإداب لحسن وإدولحاج فضلا عن عن علماء تندغه وقد وقعت بينه وبين بعض من هؤلاء مناقشات ومكاتبات في مسائل كثيرة من مسائل العلم .
ووقعت بينه وبين بعض علماء تندغه خصومات علمية جر إليها النزاع في بعض الأمور الواقعة بين أطراف من تندغه مثل قضية أهل آبيري وأهل أبابك المالكيين وقضية ولد السالم من أهل أعمر اكدبيجه وغير ذلك .
وكان رحمه الله يحث على طلب العلم ويوجبه على المكلفين جميعا ذكورا وإناثا ويقول بأن الإعراض عنه يصل إلى حد الكفر  :
وجاهل لفرض عين لم يجز
      إطلاق صالح عليه فاحترز
لأنه       بتركه       التعلما
      لم  ين  فاسقا بقول العلما
و طلب العلم وجوبه  شمل
     جمع الذكور والإناث كالعمل 
و تارك التعليم  عاص أبدا
     إن  كان  تركه  بلا عذر بدا
و عذره طلب عيش لازم
     أو   اشتداد   مرض  ملازم
ومن على ترك التعلم استمر
     فهو  كلب  أو  حمار أو أشر
ويقول أيضا :
ترك   التعلم   لكفر    يفضي
   أو هو  كفر  عندهم  بالمحض
لأنه الإعراض عن وحي النبي
   وصاحب الإعراض بالكفر حبي

وكان شيخنا رحمه الله مالكي المذهب لكنه لم يكن يرى الالتزام به شرطا في العمل والإفتاء فقد نهج سبيل التوسعة على الناس في الإفتاء بغير المشهور وبالخارج عن المذهب مؤصلا ذلك داعيا إلى عدم التشدد والتضييق وفي ذلك يقول :
من   أعظم   الذنوب   للغبي
          تنزه     عن    رخص   النبي
لأنه     يريد      أن     يكونا
         عطل من  دين النبي  شؤونا
والله بالشريعة الوسعى بعث
         نبينا  الهادي  من  غير   عبث
و باختلاف   العلماء   رخصا
         ومن يعطل رخص الله عصى
والاصل في التضييق ضيق الباع
         في العلم  و الفهم و الاطلاع
و  لم   يعذب   باتفاق   عبد
         بفعل   ما   به   الخلاف  يبدو

بل كان شيخنا رحمه الله مجتهدا متبصرا ومرجعا للفتوى والقضاء يذكر عنه أنه لم يسأل عن مسألة قط إلا أجاب عنها داخل المذهب أو خارجه وقد رجع إلى رأيه معاصروه رغم كثرتهم وحفظهم للنصوص في النوازل الصعبة والمعقدة وقلدوه وسلموا له في ذلك لقوة مأخذه وبعد غوره كما كانوا يجلونه ويحترمونه وينزلونه المنزلة اللائقة به بحيث يعرضون عليه مؤلفاتهم قبل نشرها ليجيزها كما فعل القاضي محنض بابه بن اعبيد الديماني والشيخ محمد المامي اليعقوبي الباركلي ومحمد بن محمد سالم المجلسي كما توسلوا بصالح أعماله والتمسوا صالح دعواته ومدحوه بشعرهم ومن مستجاد ماقيل في ذلك الأبيات الشهيرة المنسوبة للعالم الولي الصالح الجليل عبدالله ولد سيدي محمود المتوفى 1250 هجرية الذي يذكر أنه حسب الرواية الشائعة كوشف بأمره ومدحه بها قبل مولده :
الشوق    منذ   زمان   زاد  بالبال
         شوقي   لأستاذنا    محمذفال
العالم    الكامل   الأديب  سيرته
         تقوى المهيمن غير خالي البال
في الله لله يمسي  و هو منتدب
         بعد الغدو  فمن حال إلى حال
بينا كذاك وما في الدين من خلل
        حتى   أنيل  مقاما  نيله  عالي
لما  أتاني  نسيم  نحو  أرضكم
       وقد تشوقها  جسمي و أوصالي
أنخت نضو همومي أشتكي حالي
       إلى   الولي   التقي   محمذفال
بالله عفر لوجه الله وجهك لي
   جنح الدياجي لحاجي يا ابن متالي
إن العليل إذا ما حام حومتكم
   يشفى  سريعا  بإذن  الخالق العالي

كانت للشيخ آراء وفتاوى خالف فيها المشهور المالكي وناقض فيها علماء عصره فقد اختلف مع الشيخ محنض بابه بن اعبيد الديماني في مسألتين : إحداهما مسألة القتل الخطإ شبه العمد والثانية في تعريف المتمالئين على القتل وتوقيع القصاص عليهم ، ولكنه رضي بحكم القاضي محنض بابه في المسألتين كما اختلف معه في قضية تأثيم الداخل قبل الإشهاد في الزواج فالشيخ يرى أن منع الدخول حينئذ إنما هو سد للذريعة وما منع سدا للذريعة لا إثم فيه فيما بين العبد وربه وقد أدى ذلك إلى أن كتب لمحنض بابه رسالة الفلانية المشهورة . ومن فتاواه المخالفة للمشهور تجويزه لقسمة الحبس المعقب بتا إذا دعت الضرورة أو الحاجة لذلك وبرأيه هذا أخذ أهل محمد سالم المجلسيون فقسموا حبسا معقبا كان لهم بناء على فتوى الشيخ وفي ذلك يقول شاعرهم :
عذيري من قوم إذا ما أريتهم
     مدونة     الحبر     الإمام   مهذبه
ونص خليل جاء قبل معززا
   بنص ابن رشد في البيان والاجوبه
رموني برشق التندغي وغرزه
   و رابعة   العشرين   جاءت  متربه٠

ومثل ذلك فتواه برد المبتوتة ذات العيال إلى زوجها اعتمادا على بعض الأقوال المرجوحة ...... وغير ذلك كثير .
وبالجملة فقد كان عدم اشتراطه التزام المشهور بل وعدم اشتراط التزام مذهب معين سمة بارزة في فتاواه وأقواله وأنظامه وكتاباته صرح بذلك عنه صاحبه وتلميذه العلامة " آد " محمد مولود بن أحمدفال الموسوي اليعقوبي في رسالته المعروفة " رسم المشهور والراجح ووجوب العمل بهما " ناقلا عنه من رسالة الفلانية وعازيا إليه في بعض أنظامه من ذلك قول الشيخ :
لا يلزم ارتباط عامل بما
    عين أو مشهور قول العلما

ونقل عنه في الفلانية جواز العمل بالضعيف أو الخارج عن المذهب .
وقد وقع بينه وبين العلامة أحمدفال والد "آد" الموسوي اليعقوبي نقاش في قضية الردة وتحقيق المقصود مما علم من الدين ضرورة ، كما وقع بينه وبين جدنا العلامة مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي نقاش حاد حول تكفير بعض المتصوفة من أهل زمنهما .
وكان الشيخ رحمه الله أشعريا متعمقا في معرفة مباحث علم الكلام وأدلة العقيدة عند المتكلمين وله نظم في مبحث صفات المعاني والمعنويات يعرف بنظم " سواد وحلاوة " وهو من أكثر النصوص الموريتانية تعقيدا في هذا الباب وقد تداوله الجهابذة بالشرح والتوضيح ومن أبرز من شرحه العلامة " ببها " محمدفال بن محمذن بن أحمد بن العاقل وشرحه كذلك بن الشيخ العلامة عبد الرحمن بن متالي . ومع ما تقدم نجد أن الشيخ كان يميل إلى تبسيط العقيدة والاكتفاء بالإيمان الفطري البدهي دون الدخول في تعقيدات أهل الكلام كما سترى في أنظامه في هذه المجموعة .
وأما طريقته رحمه الله في التصوف والسلوك فقد كان شاذليا ناصريا يلقن طريقة سيدي أبي الحسن الشاذلي برواية سيدي محمد بن ناصر الدرعي ويختلف الدارسون في شيخه المباشر على أنهم يتفقون على كون صلته بذلك الشيخ إنما هي في الغيب فمنهم من يقول إن شيخه أتفغ بن عفان التندغي وإلى ذلك يميل حفيده العلامة حبيب بن الزايد ويرى آخرون أن شيخه هو باب بن حمدي بن الطالب أجود وقد أدرك الشيخ محمذفال فترة من حياته ولكنه لم يلقه بتا وإلى هذا يميل شيخنا العلامة الحافظ المؤرخ النسابة الشيخ اكليكم بن متالي والذي يترجح عندي من خلال مراجعتي لمؤلفات الشيخ ومؤلفات ابن أخيه العلامة حيمده بن انجبنان ونظرا إلى أمور أخرى لا يترتب كبير شيئ على ذكرها أن شيخه في الطريقة الشاذلية - إن كان له شيخ - فهو العلامة محمد اليدالي .
 ونشير هنا إلى أن كتاب الشيخ المسمى الحميل بسعادة المحيا والممات جعل أوله لأوراد الشاذلية وأذكارها الأساسية وإن كان بعض الموجود فيه لا يتطابق تماما مع ما وصلنا منقولا بالسند الصحيح عنه فينبغي التنبه لذلك وطريقة الشيخ الشاذلية بآدابها وسلوكها يطبعها الالتزام التام بظاهر الشريعة والتمسك بها واتباع السنة والابتعاد عن كل ما يخالف ذلك . وللشيخ مع كتابه الحميل في الأذكار والأوراد والأدعية كتاب اختصر به " كشف القناع عن شهية السماع " في التصوف والآداب والسلوك . كما أن له شرحا مختصرا لكتاب خاتمة التصوف للعلامة محمد اليدالي والكتب الثلاثة المذكورة آنفا تجدها في هذه المجموعة المباركة التي بين أيدينا ، وله معها نظم آخر يسمى النصيحة يشتمل على كثير من الآداب والسلوك التي يحبذ الأخذ بها وقد شرح هذا النظم ابن أخيه العلامة حيمده بن انجبنان وصرح في شرحه بأنه اعتمد على كتاب خاتمة التصوف .
وللشيخ أنظام في التصوف والسلوك ستقف على بعضها في هذا المجموع المبارك نذكر منها هنا هذين البيتين :
حقيقة الوصول يا من يعقل
        ذوقي   علم    للمريد   يحصل
يصعب  فهمه   على  عقول
       من لم يكونوا من ذوي الوصول

لم يكن الشيخ يمتاز بأي مظهر يخالف غيره من العامة حتى التلقب بالشيخ فإنه يكرهه جدا يقول العلامة حيمده بن انجبنان في السيرة المتالية :
ولم يكن ذا هيئة مشهوره
         فلا  عمامة  و لا هيدوره  
وكان من يا شيخ ذا انقباض
        يا عجبا فكم لذا من راض

ويشترط على منتسبيه ومريديه الاشتغال بتعلم العلم واتباع الشرع ظاهرا وباطنا ويقول في ذلك :
إياك   يا  من   يعتني   بنفسه
      و يبتغي  نجاته  في   رمسه
أن  تقرب   الورد   قبيل  علم
     جميع   ما  كلفته   من   حكم
فمن على القرآن والذكر استمر
     بعد   بلوغه   و  فرضه   هجر
ففسقه    ما   فيه   من   نزاع
      لتركه     الواجب    بالإجماع 
لمستحب      مجمع      عليه
    كما    الهداة    أجمعوا    عليه

وبالجملة فقد كان الشيخ محمذفال بن متالي مركزا إشعاعيا لهذه الطريقة في المنطقة وعليه أخذها كثير من الناس من أبرزهم ابن أخيه العلامة حيمده بن انجبنان والعلامة المختار بن آلما وعبد الله بن مختارنا الحاجي وأحمد بن ابوه الموسوي اليعقوبي والطبيب أوفى الألفغي . ومن جملة المنتسبين إلى طريقته العلامة يحظيه بن عبد الودود الذي لقنه إياها المختار بن آلما ومنهم كذلك العلامة محمد سالم ابن آلما أخذها عن أحمد بن الجمد وذلك أخذها عن المختار بن آلما . وعن طريق يحظيه ومحمد سالم انتشر سند محمذفال بن متالي في الشاذلية .
وإلى جانب كل ما تقدم كان الشيخ أديبا شاعرا محبا للغة والأدب وكان يحث تلامذته على دراسة اللغة يقول :
تعلم اللغة شرعا فضل
     على التخلي لعبادة  الولي
يؤخذ ذا من قوله وعلما
    آدم الاسماء ، الزم التعلما

وكان مولعا بشعر امحمد بن الطلبه اليعقوبي ونجد في كتاب الروضة الغناء شرح الوصية الحسناء للعلامة حيمده بن انجبنان نقلا عن الشيخ ما يفيد بأنه كان يتابع شعر امحمد الطلبه وهو من معاصريه وقد جاءه يستفتيه في شأن الدخان فلم يحرمه عليه وأعطاه شيئا من التبغ واستنشده قصيدته الرائعة :
بعد ما بين من بذات الرماح
          ومقيم من اللوى بالنواح

فلما فرغ من إنشادها قال الشيخ فيه إنه عربي أخره الله . وقد أورد هذه الجملة ابن الشيخ عبد الرحمن بن متالي في شرحه لمعلقة امرئ القيس عند قوله ( ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ...إلخ ) قال الخدر شيئ يوضع على الهودج وليس هو وقد فصل ذلك امحمد الطلبة في جيميته حيث قال : ( ولم ينزلوا عن هودج خدر هودج ... ) ولم آت بقول امحمد مستشهدا وإنما مستأنسا وإن كان الوالد رحمه الله قال فيه إنه عربي أخره الله .
وقد ثبت أن رجلا علويا مر به هو وزميله أمغر وعند العلوي قصيدة ابن رازكه الفائية في مدح نعل النبي عليه الصلاة والسلام وكان في عجلة من أمره فلم ينتظرهما لكتابتها فقال الشيخ لزميله احفظ الأعجاز أحفظ لك الأصدار أو العكس وبعد سنة أملياها من حفظهما ولزميله أمغر هذا يقول الشيخ :
زميلي  أفن  العمر  غير  الممد
   على نشب إن منه واسيت يزدد
ولا تفنين العمر في جمع ما إذا
   بخلت به تذمم وإن جدت ينفد

عاصر الشيخ ثلاثة أمراء في فترة حكمهم : أعمر بن المختار بن الشرغي بن اعل شنظوره وابنه محمد لحبيب وسيد بن محمد لحبيب ولكن علاقته بمحمد لحبيب كانت قوية وكان صديقا له إلى حد أن دعاه الأمير لتولي القضاء فامتنع عن ذلك وأشار عليه بتولية العلامة محنض بابه بن اعبيد وكان الشيخ يرى محمد لحبيب أميرا عادلا وقد رثى الشيخ كلا من محمد لحبيب ومحنض بابه مؤرخا لوفاتهما على الطريقة الفشتالية قال :
فلله شهر  عب بدءا  و مختما
     عباب المشاكي و الثقاف لمعتل
محك نضار  الصيرفي  وبابه
    وروض العواصي للحبيب المؤمل
فأول أرباع من الثاني طرحه
    به    يتبدى    عمر   بض   مبجل
وللثالث اضمم رابعا مبدلا له
    بثاني حروف المعجم الرمز ينجل
فلله كم  من زائف عز  ميزه
   و من مشكل بعد الرضى لم  يحلل

وقد سجل حيمده بن انجبنان في السيرة المتالية علاقته بالطبقة الحاكمة من بني حسان واصفا موقف الشيخ منهم بالاعتزال وعدم الرضى عنهم عموما والنهي عن مخالطتهم وعن نقل أخبار ما يدور بينهم من صراع مستثنيا من ذلك الأمير محمد لحبيب يقول حيمده :
وكان لا ينظر منهم وجها
     و لم  يكن  يرون  منه  الوجها
وكان لا يلقى بكالترحيب
    منهم سوى من كالأمير احبيب

وبعد تولي الأمير سيد بن محمد لحبيب الحكم ساءت علاقته بالشيخ إذ اتهمه الشيخ بهتك حريمه وقتل دخلائه في بيته ثم وقعت بينهما اتصالات أدت إلى مصالحة ظاهرية بينهما وفي عهد الأمير سيد توفي الشيخ رحمه الله .
أما علاقته بمحيطه الاجتماعي القبلي فإنه مع ظهور الشيخ وسطوع نجمه تولى قيادة قبيلة أهل اعمر اكدبيجه وانضمت إلى تلك القيادة بالموالاة والتحالف أكثر قبائل تندغه ولكن بعضا من أهل أعمر اكدبيجه ومن إدكفوديه فضلا عن بعض القيادات الكبرى من ركائز تندغه عارضوا تلك القيادة ولم يقبلوا بها وأدى ذلك إلى نزاعات مرة بينه وبين أولئك المعارضين وفي خلافه مع بعض مجموعات إدكفوديه وفيما وقع بينه وبينهم نورد هذا النص الشعري له الذي يرد فيه على من ادعى منهم قيادة إدكفوديه يقول :
يا أيها النفر الشوس الألى رفعوا
   نفوسهم وسواهم ما ابتغوا وضعوا
قد  اعتليتم  فهنا  لو  لنا  ثبتت
   أخوة    و   معاذ    الله    لا    نزع
فلا   انتقاصا   أردنا   لاعتلائكم
   كلا  و  هيهات  ما   كنا   لكم   تبع
فلا   معاداة   منا   غير   جائزة
   و لا  موالاة  إلا  ما  اقتضى  الورع

ولا يفوتنا هنا أن نذكر العلاقة الحميمة الخاصة التي كانت تربطه ببني يحيى إذ كان يفضلهم ويقربهم على بني عمومته الأدنين ومن خاصيته معهم أنه لم يكن يفصل في النزاعات القضائية إلا إذا كان المتنازعون من بني يحيى يقول حيمده بن انجبنان :
ولم يكن يفصل بين اثنين 
     أي  بالقضا  لأحد  الخصمين
إلا  إذا  كانا  من آل  يحيى 
      فهي لهم مفخرة في المحيا

من أبرز العلماء الذين كانت لهم علاقة قوية بالشيخ العلامة محنض بابه بن اعبيد الديماني الذي كان محل ثقة الشيخ وتقاضى عليه مع خصومه ونزل عند أحكامه التي قضى بها وكان يقول فيه إنه يدور مع الحق حيث دار ويسميه المحك وقد مدحه بقصائد عدة وقرظ له كتابه ( ميسر الجليل شرح مختصر خليل ) ورثاه بقصيدة منفردا كما رثاه مع الأمير محمد لحبيب كما قدمنا وكان الشيخ محنض بابه يثني على الشيخ ويستشيره في القضايا التي ترفع إليه ويزوره في أماكن إقامته وفيه يقول :
الحمد لله رب العالم العالي 
   على  موافقة  الحبر  بن متالي
فمن يوافقه الحبر بن متالي
   فليس يعبا بمن خالف من تالي
المشكلات إذا أتتك فاغد بها
   إلى   ابن   بجدتها   محمذفال
حلال مشكلها جالي غياهبها
   وضاح  معضلها   فتاح  أقفال

ومنهم كذلك العلامة الولي الصالح الشهير الشيخ محمد المامي بن البخاري الباركلي اليعقوبي الذي كانت تربطه به علاقات قوية وكان هو الآخر يزور الشيخ المرة بعد الأخرى وقد سجل عرضه عليه لكتابه نظم خليل المسمى الخراج الثاني يقول في الخاتمة :
وتم عرضه على الأعيان 
    كالعالم    الأكدبجي    الرباني
أنخت  عنده   بتيلماس
   في الصيف والجمل ذو إخماس

ومنهم كذلك العلامة المختار بن آلما الذي تطورت علاقته به إلى حد أنه أصبح من مريديه وقد زاره في مرضه الأخير وحضر وفاته وقدمه أبناء الشيخ للصلاة عليه . ومن الأكابر الذين سجلوا لقاءهم معه الولي الصالح الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل الذي ذكر في أحد كتبه أنه زار الشيخ مرتين وكانت علاقته به علاقة ود وإخاء . 
ورغم ما تقدم من ظهور شمس الشيخ وبروز اسمه في المنطقة فإننا ورغم البحث والتنقيب لم نجد أي أثر لأي اتصال بينه وبين العلامة الكبير الشيخ سيديا مع تقاربهما المكاني وتعاصرهما وتفاعلهما مع أحداث المنطقة .
أنجب الشيخ أربعة أبناء هم : أحمدو ومحمدو وعبد الرحمن وحبيب وأربع بنات هن : مريمامه وخدجة وأمنة ومعلومه وقد توفي رحمه الله يوم الإثنين في شهر ربيع الثاني 1287 للهجرة وقد أرخ لوفاته مريده العلامة المختار بن آلما بقوله :
وأشرف باب العلم والحلم والتقى
  على الموت من موت الإمام المبجل
سلالة  متالي  الذي  عاش طائعا
   بعيد  صلاة   الظهر   وسط  التنفل

ويقول العلامة حيمده بن انجبنان في السيرة المتالية :
فقد  توفي رحمة  الرحمن 
     عليه في شهر ربيع  الثاني
بنحو سبع مع ثمانين معا 
     ألف   بعيد   مائتين   لمعا
و   لثمانين   و  كاثنتين
    عاش وكان الموت بالإثنين
وقد دفن رحمه الله مع والده متالي في مقبرة انوعمرت رحم الله الجميع

تخرج على يد الشيخ جم غفير من كبار علماء المنطقة وغيرها لا يتسع المقام لذكرهم وقد خلف الشيخ ما يزيد على ثلاثين مصنفا في مختلف الفنون مازال أكثرها محفوظا وبعضها لم يعد موجودا إلا اسمه ومن بين مصنفاته الموجودة نقدم هذه الدرر  الفريدة والجواهر الثمينة التي تعلقت همة السيد الفتى الكريم النبيل المحب لفعل الخير عموما ولنشر العلم خصوصا العارف بالله أخونا محمدن بن عبد الرحمن ( ادنيدن علما ) .... تعلقت همته حفظه الله بنشرها وطبعها وتقديمها للناس حبا للخير ونشرا للعلم والمعرفة ومساهمة منه في استخراج كنوزنا العلمية والثقافية ونفض الغبار عن مكنونات مكتبتنا الوطنية وبعث تراث أعلام أئمتنا الأجلاء فجزاه الله عنا وعن العلم خير الجزاء .
ثلاث من هذه الدرر تتعلق بعلم التصوف والسلوك واثنتان منها تتعلقان بالسيرة النبوية المطهرة وأخراهن مجموعة من الأنظام المختلفة في موضوعات شتى .
الدرة الأولى : شرح خاتمة التصوف التي جعلها الشيخ محمد اليدالي القسم الأخير من كتابه في عقيدة أهل السنة الصحيحة المثبتة بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية فجعل  للكلام عن تلك العقائد خاتمة جليلة في باب الإحسان الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور وباختصار شديد بين اليدالي ملامح الطريق التي تسلك من أجل الوصول إلى مقام الإحسان فكان شرح الشيخ للخاتمة توضيحا لكلام اليدالي وتأصيلا له بالرجوع إلى كلام أكابر أهل الطريق قديما وحديثا وتعتبر خاتمة التصوف عند الشيخ فرض عين لا ينبغي التقصير عن معرفته لمن يريد سلوك طريق التصوف يقول حيمده بن انجبنان في السيرة المتالية :
كما كفت خاتمة التصوف 
   في فرض عينه لذا لها اصطفي
لجمعها الأدواء و الأدويه
   وذاك فرض العين في الصوفيه

وأما الدرة الثانية : فهي اختصاره لكتاب كشف القناع عن وجه شهية السماع وهو مختصر مفيد ركز على رسم الإحسان في حسن الأدب مع الله تعالى ومع الخلق موضحا حقائق التصوف ومبانيه ومعانيه وهو اختصار يقوم على أساس التلفيق والحذف والاختيار مع مراعاة المضمون الكلي للكتاب .
وأما الدرة الثالثة : فهي كتاب الحميل بسعادة المحيا والممات وقدخصص الشيخ القسم الأول منه لأوراد الطريقة الشاذلية التي كان يلقنها لمريديه وجعل القسم الثاني للأذكار والأدعية التي ينبغي أن يحافظ عليها المريد والتي تنفع الإنسان في دنياه وأخراه مركزا على الأذكار والأدعية النبوية ناسبا أكثرها إلى مصادرها من كتب السنة .
أما الدرة الرابعة : فهي نظم الأخلاق وهو في سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام : نسبه وصفاته الخلقية والخلقية وخصائصه ومعجزاته ومولده وهجرته وبناؤه للمسجد النبوي الشريف .
والدرة الخامسة : هي نظم الشهداء وهو نظم بديع توسل فيه رحمه الله بشهداء المعارك في زمنه عليه الصلاة والسلام معرفا بهم ناسبا لهم وقد يجره التعريف بهم إلى استطرادات مختصرة مفيدة حول بعض الأمور المتعلقة بهم رضوان الله عليهم .
وقد شرح أخونا المرحوم العلامة أحمدو بن حبيب بن متالي كلا من النظمين بشرح مفيد وقد اعتنى الأخ الكريم " ادنيدن " بطبع الشرحين ونشرهما فليعد لهما من شاء .
إلى هذه الدرر الخمس تضاف مجموعة من الأنظام المختلفة في كثير من المواضيع العلمية في العقيدة والفقه والتصوف وغير ذلك   
فيكون المجموع المبارك ((( درر اللئالي من آثار بن متالي ))) اسما على مسمى لتمام التطابق فوفق الله أخانا الكريم محمدن بن عبد الرحمن ( ادنيدن ) حفظه الله للعمل على نشرها وإخراجها فجزاه الله أحسن الجزاء وأدام عزه ووفقنا وإياه لعمل الصالحات .

  كتبه المصطفى بن حبيب بن متالي
     22  محرم 1445 هجرية