مع الفلسفة... المعرفة / إبراهيم الأندلسي

خميس, 11/15/2018 - 21:24

المعرفة

قال أفلاطون :"إن كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئا"
لقد أتعبت المعرفة و السير في طرقها المتشابكة الفلاسفةَ و المفكرين عبر العصور،سواء تعلق الأمر بربطها بلاحق أو سابق أو سبب أو مُسبب 
و مقولة أفلاطون الفيلسوف تحمل داخل طياتها حصرا و تدقيقا يجعلان نفيها أكثر غرابة مما يُخل بانسجامها مع المعنى الذي تزرعه الجملة اللفظية أو المقروءة في خلد السامع
بأنواعها الكثيرة.
ف "كل " التي بدأ بها الحديث تحصر لفظا حصيلةَ معرفته رغم البحث و الصدفة و الموروث و المسموع و المُشاهَد 
أراد ذلك أو لم يُرده.
و نفيه للمعرفة العام في سياقه رغم أن تخصيص كلمة المعرفة كمصدر و تفعيلها قبل ذلك كفعل مُتصرف يُناقضان الهدف الأساسي و هو النفي المطلق أو تحجيم الحصيلة النهائية ولو بألفاظ تحمل شوائب غير مطلوبة بذاتها و لا بمعانيها.
و حين نصل إلى الكلمة الأخيرة و هي "الشيء " الذي أراد نفيَه 
و أراد بنفيه النفيَ العام نتذكر استدراك إيمانويل كانط على ديكارت في مقولته الشهيرة  بأن التفكير المجرد غريب ولابد من ربطه بشيء ما، الأمر الذي استهجنه بعد ذلك غاستون باشلار، فما هو الشيء الذي يؤكد أفلاطون أنه لا يعرفه مطلقا؟
و من هنا فإن مفهوم عدم المعرفة الذي هو جهل أو لصيق به هو في حد ذاته مفهوم يحتاج معرفة أو إدراكا
و قد قيل إن العارف هو من يعرف مُسميات أو بعض صفات ما يجهله لأن العلم به يُعيد الفلسفة إلى المربع الأول و هو احتواء عوالم أكبر من القدرات الذاتية و بالتالي تناقض صارخ مع المنطق الذي هو دعامة و ركيزة فلسفية أصيلة.
فهل نحن بصدد نسف مقولة أب الفلاسفة أم تحويرها و توجيهها إلى مجالات أوسع ؟ 
كل ذلك وارد في السياق غير أن الهدف الأسمى عند الفلسفة هو التفكير و التدقيق دون الرجوع إلى دقة اللفظ أو تحديده حتى يذهب باتجاه مُحدد
أليست المقولة تفتح أبوابها للباحثين ليدخلوا من جوانبهم المحببة ؟ و التي يرون أنهم يملكون بعض أبجدياتها و أدواتها و يستطيعون تحريكها حتى لا تتجمد في صقيع فكري ضيق.
و بالعودة إلى المقولة الأولى للفيلسوف الكبير و التي تستصغر حجم المعلومات المتحصل عليها رغم ملكة الفكر و الملاحظة و التي تكاد تقترب من العدم بمعناه المحض ندرك  أنها هائلة حين تتلاشى أما حجم المعلومات المتخيلة و التي تُهمَل هي الأخرى أمام حجم أكبر تجهله الأرقام بإدراكها و خيالها و توالدهما معا و حتى بعمليات التضاعف و الضرب و المتتاليات المتنوعة عبر العصور.